Tuesday, May 29, 2012

من مقعد خشبي



داعب أسماعي نفير القطار القادم أخيرا .. التفت اليه .. التقطت حقيبتي و تأهبت .. اقترب القطار .. أبطأ قليلا .. انتظرت وقوفه .. و انتظرت .. ثم .. لم يقف القطار .. مستحيل .. هذا مستحيل .. ازدادت سرعته فجأة .. انطلق .. وقفت مذهولا لثوان .. ركضت .. حاولت اللحاق به و التشبث بالقائم الحديدي أثناء ركضي .. فشلت .. بدأ يسبقني .. خرج عن المحطة .. وصلت نهاية الرصيف .. لاحظت أنه أبطأ قليلا و هو يبتعد .. قفزت الي القضبان مواصلا الركض .. حاولت و حاولت .. رأيته يغيب .. مستحيل .. ماذا أفعل الآن .. فات الميعاد .. ما العمل ؟؟ .. استيقظت لاهثا .. التقطت أنفاسي .. تلفت حولي .. لم يفت الوقت إذن.. لملمت نفسي المرتبكة و قمت .. عندما فتحت العلبة لألتقط كيس الشاي لم أجد شيئا .. أف .. كالعادة .. جلست علي المقعد الخشبي في المطبخ و دفنت رأسي بين كفاي أقاوم النعاس .. و أتنفس بعمق .. وقت طويل مضي .. أو لم يمض أبدا ربما .. كنت ذاهبا مع زملاء الدراسة والأصدقاء في رحلة الي حديقة مدينتنا الصغيرة .. كانت الحديقة بالنسبة لنا مترعا مهولا.. وكانت الرحلة التي اخترقنا فيها شوارع المدينة القليلة بعيدا عن أسوار المدرسة مغامرة شيقة .. ما أن دخلنا الحديقة نركض متزاحمين حتي اصطدم بي صديق .. سقطت أرضا .. كانت البقعة التي وقعت بها موحلة .. اتسخت ملابسي و خدشت يداي و تلوثت حقيبتي..تألمت .. تأوهت .. ثم انسحبت..أكمل بعض الأولاد طريقهم .. جرجرت نفسي الي أحد المقاعد الخشبية .. ساعدني الأصدقاء الطيبين .. مسحوا ملابسي و جففوا يداي و حقيبتي .. اعتذر الصديق الذي صدمني و طيب خاطري .. قلت لا بأس .. كنت في قمة السخط لكني لم أبين .. كنت حزينا,محبطا،كارها ولم أبين .. قاموا ليلحقوا بالمجموعة و طلبوا مني .. اعتذرت .. سألتهم أن يمهلوني حتي ألملم نفسي و تهدأ آلامي .. ألحوا .. تمسكت بموضعي ..تكومت في المقعد .. راقبتهم يبتعدون .. يلعبون .. يمرحون .. عاد الصديق بعد فترة .. كرر اعتذاره .. سألني أن أنضم لهم .. تشبثت بالمقعد .. أخبرته أني لا أريد .. اطمـئن علي جراحي .. قلت أنها بسيطة لكني لا أريد أن ألعب .. انسحب..تابعت لعبهم .. راقبتهم و هم يركبون هذه العجلة الضخمة التي تدور بهم صعودا و هبوطا ..عاد صديقي وسألني أن أشترك مجددا.. رفضت .. عاد اليهم..تابعت العجلة و هي تدور بهم تصعد و هم يصيحون و يضحكون .. أخذت أتخيل المنظر من عل و ما يشعرون به هناك..أردت أن أكون هناك..أردت أن أفهم ،وأري ،وأشعر .. لكن شيئا ما كان يشدني الي المقعد بقوة .. حاولت المقاومة .. لم أتحرك .. رحلت في نهاية اليوم الذي قضيته كله علي المقعد الخشبي في هذه الحديقة .. انتظرت هناك أكثر مما ينبغي .. ربما لسنوات طويلة .. و الوقت يفوت .. من شهور قابلت فتاة ضائعة في طريقها للقاهرة .. كانت تزورها لأول مرة .. لوحت لي بطلب المساعدة .. هل رأتني وحيدا فاستهدفتني أم هي محض الصدفة التي أتت بها في المقعد خلفي ؟؟ .. أرشدتها في البداية شفويا .. ثم اقترحت أن ننجز مشاويرنا معا ما دامت المواعيد لن تتعارض .. قالت أنها لا تريد تعطيلي و قلت أنه لا تعطيل .. أبدت ممانعة .. لم تقاوم كثيرا .. كانت تحتاجني لحمايتها حتي لا تضيع في الطرق أو أنها احتاجت فقط الي أنيس ؟؟ .. تطور الموقف حتي عودتنا  معا .. تشاركنا الطعام و الحديث و الضحك .. نامت قليلا .. اختلست النظر اليها في نومتها..لاحظت المرات التي انتحت بهاتفها و خفضت صوتها هامسة تلوم شخصا ما علي عدم اتصاله بها .. هل أرادتني ان أسمع أنها تلوم أحدهم علي عدم اتصاله بها أم أرادتني أن لا أسمع أنها تحدث أحدهم في أمر شخصي ؟؟ .. نزلنا من الحافلة .. تشاركنا " التاكسي " .. كان طريقها بالمصادفة طريقي .. نزلنا في مكان متوسط بين منطقتينا .. شكرتني بحرارة .. اعتذرت عن الارهاق الذي سببته لها بمشاويري .. اعتذرت هي عن تعطيلي .. افترقنا دون تبادل وسيلة اتصال ودون أن أعرف مكان بيتها علي وجه الدقة .. لم أرها بعدها أبدا .. تمضي الأمور بشكل عادي .. أو نحن من يدفعها لتمضي بشكل عادي ؟؟ .. يحدث ما تريده من تلقاء نفسه أم أنك توجد ما تريده وتختاره ؟؟ .. ما قيمة حساباتك ؟ .. هل يجب أن تحسب ؟؟ .. أن تحاول ألا تتفاجأ ؟ .. ينفد الشاي بسرعة في بيتنا..ما يضطر أفراد االبيت لشراء كمية جديدة بالطبع .. لكنهم يظلون طويلا يتكاسلون و يعتمدون علي بعضهم البعض .. لأنهم لا يهتمون بالشاي مثلي .. أصبحت أخبئ كمية معقولة من الشاي في مكان لا يعرفه غيري ..أستعملها فقط  في هذا الوقت الذي يتكاسل الجميع فيه عن الشراء .. لا يسمح مخزوني الخاص بمفاجأة سخيفة في صباح يوم هام لا أجد فيه الشاي .. تركت المقعد أخيرا .. توجهت الي مكان المخزون السري .. التقطت كيس شاي .. لكن .. ماذا لو اكتشف أحدهم مكانه يوما ؟؟ .. وهل هو أمر طيب أن لا أتفاجأ دائما صحيح؟.. أدعي أني أكره أن أترك الظروف تضايقني لكن..كم من الظروف التي ضايقتني تحكمت بحياتي فعلا .. وما المسافة التي ابتعدتها يا تري عن هذا المقعد الخشبي في حديقتنا القديمة .. أم تراني لا زلت هناك متشبثا بعد ؟؟